إن المفهوم الاقتصادي للإنتاجية مشتق أصلاً من مفهوم الإنتاج. فعملية الإنتاج هي" نشاط يمارسه أفراد المجتمع مستعينين بكافة عناصر الإنتاج وهي (العمل، ورأس المال، والأرض بكافة مواردها الاقتصادية، والتنظيم والإدارة، والتكنولوجيا) بهدف خلق وإيجاد أو تغيير أو إضافة سلع وخدمات معتبرة قانوناً ولها طلب في السوق وقابلة لإشباع حاجات الأفراد وتحقيق منافع اقتصادية لهم، وتسمى هذه السلع والخدمات، الإنتاج أو الناتج". أما مفهوم الإنتاجية فيراد بها (الناتج الحدي لعنصر الإنتاج المعني. أي وحدات الناتج المضافة التي تضيفها الوحدة الواحدة التي تمت إضافتها من عنصر الإنتاج إلى المنشأة). فإذا أطلق مفهوم الإنتاجية لوحده دون قرين فتراد به إنتاجية عنصر العمل. وقد يطلق مفهوم الإنتاجية على ثلاثة من عناصر الإنتاج، فيقال إنتاجية العمل، وإنتاجية رأس المال، وإنتاجية الأرض. أما عنصر الإدارة والتنظيم فيدخل قياس إنتاجيته في عنصري العمل ورأس المال والتي تشكل عناصره الأصلية. أما عنصر التكنولوجيا فيتم قياس إنتاجيته في كل عنصر من العناصر الأربعة الأخرى، وذلك لأنه يدخل في كافة عناصر الإنتاج الأربعة. ويتم تقسيم التكنولوجيا إلى نوعين رئيسيين هما :
أولا: تكنولوجيا العمل. والتي يتم قياس إنتاجيتها عن طريق قياس إنتاجية العامل عند استخدامه للتكنولوجيا وإنتاجيته بدون استخدامها، حيث يوضح الفارق بين الإنتاجيتين الإنتاجية التي أضافتها التكنولوجيا إلى طاقات عنصر العمل وإمكانياته.
ثانيا: تكنولوجيا رأس المال. وتنقسم بدورها إلى قسمين هما (التكنولوجيا الصلبة Hard Ware ، والتكنولوجيا الناعمة Soft Ware). ويتم قياسهما عن طريق قياس إنتاجية رأس المال ذاته إذا كانت داخلة في عنصر رأس المال، وإنتاجية الأرض إذا كانت التكنولوجيا داخلة في عنصر الأرض، وإنتاجية العمل إذا كانت التكنولوجيا داخلةً في عنصر العمل أو حتى الإدارة والتنظيم.
ولكي نستفيد من قياس الناتج الحدي لأي عنصر من عناصر الإنتاج لابد من قياس التكلفة الحدية لذلك العنصر أيضاً (أي تكلفة الوحدة الواحدة المضافة من عنصر الإنتاج المعني). فالمنتج يتوازن عندما تتساوى التكلفة الحدية لعنصر الإنتاج المعني مع الناتج الحدي له، حيث إنه عند هذا المستوى من الإنتاج يكون مستوى إنتاجية ذلك العنصر مثالياً ولا يحتاج إلى تغيير. وبالتالي فإن أية زيادة في عنصر العمل عن الحجم المثالي تؤدي إلى خلق بطالة مقنعة، كما أن أي نقص فيه يؤدي إلى سوء استخدام وتعطيل لباقي عناصر الإنتاج المستخدمة معه في وحدة الإنتاج. وما ينطبق على عنصر العمل ينطبق بالتالي على كافة عناصر الإنتاج. وبالتالي فإن المنتج الرشيد هو المنتج الذي يسعى إلى خلق التوازن المثالي بين كافة عناصر الإنتاج، والتوليف بينها بشكل مدروس وتغييرها وتكييفها حسب ظروف السوق.
وفي دول الخليج العربية هناك قواسم مشتركة وسمات متشابهة في الجوانب الاقتصادية والإدارية. وإن كان هناك بعض الاختلاف فقد يكون اختلافاً بالدرجة فقط وليس بالنوع. ويمكن تحليل الاقتصادات الخليجية بقطاعيها العام والخاص :
أولاً: القطاع العام (الحكومي). ويتسم هذا القطاع في دول الخليج العربية بأنه هو القطاع الرائد وهو الحصان المحرك لعجلة الاقتصاد. حيث إن تدفق الإيرادات المالية النفطية أدى إلى خلق مجتمعات رفاهية اقتصادية. فالإيرادات النفطية تدخل كإيرادات عامة في ميزانيات الدول الخليجية ثم تتحول إلى إنفاق عام فتخلق طلباً على السلع والخدمات يؤدي بدوره إلى حركة القطاع الخاص. ومن هذا المنطلق فإن الحكومات الخليجية تتبع استراتيجية الالتزام الأدبي تجاه شعوبها من حيث إن كل فرد من حقه أن يحصل على وظيفة لكي يعيش عيشةً كريمةً، وذلك لأن النفط ثروةً قوميةً وهي ملك للجميع. وبما أن القطاع الحكومي لا يهدف إلى الربح، لذا فإنه لا يهتم كثيراً بالمفهوم الاقتصادي للإنتاجية. ولهذا السبب أصبحت هناك جيوش من البطالة المقنعة في القطاعات الحكومية إذا ما تمت دراستها دراسةً اقتصاديةً جادةً. وقد يتراءى للبعض أن الأمر مبالغ فيه، إلا أننا نتدارك ذلك لنبين بأن مفهوم البطالة المقنعة يمتد ليشمل معاني عديدة. فإذا أنشأتَ أقساماً إدارية لا ضرورة لها فإن العاملين بها يصنفون كبطالة مقنعة. وإذا أنشأت وحدات إدارية (أي وزارات أو هيئات، أو إدارات) لا ضرورة لها فإن العاملين بها يصنفون قطعاً كبطالة مقنعة. وإذا خلقت شواغر جديدة لا ضرورة لها في وحدات إدارية قائمة فإنك بالفعل تخلق بطالة مقنعة. وإذا خلقت تعقيدات إدارية في الإجراءات وفي الدورات المستندية لا ضرورة لها، فإنك أيضاً تساهم في خلق بطالة مقنعة. وهكذا نجد أن الحكومات الخليجية قد ركزت منذ البداية وحتى اليوم على خلق الشواغر وفرص العمل في القطاع الحكومي دون أن تعير قضية الإنتاجية أهمية كبيرة. ولقد ألف الناس هذه الأوضاع الإدارية وتأقلموا معها. غير أن المراجعين للجهات الحكومية غالباً ما يشكون من تعقد الإجراءات الإدارية وطول الدورات